الخميس، ٨ نوفمبر ٢٠٠٧

ســــوداء.... وأبيـــــــض

هناك عبارة قالها المسيح عليه السلام" عندما أسامح.. أنسى" "When I forgive, I forget" ..
لكم وددت لو أنى أمتلك هذه القدرة.. أنا أحمد الله على أنه وهبنى قلبا أستطيع أن أصفه بأنه أبيض يمكن أن يسامح ويغفر ويتحمل كثيرا..لكنى أملك ذاكرة لونها أسود .. بل شديد السواد.. بدون مبالغة..تتذكر كل الاهانات.. كل الجراح.. لك أن تتخيل شخصا يحمل على كتفيه ذكريات منذ الرابعة أو الخامسة من عمره.. حتى تجاوز عمره الثامنة والعشرين.. صفعة لا تستحقها.. مجرد مصادفة أن تمر بجوار سيارة فتفاجأ بأطفال يجرون ويصدمون بك وصاحب السيارة دونا عن الجميع يمسك بك بيد ويصفعك بالأخرى بمنتهى الغباء والقسوة ظناً منه أنك كنت أحد أولئك الأطفال الذين عبثوا بسيارته.. ما ذنبك؟ وماكان ذنبك يوم شكوت لوالدك تصرف أخيك فكنتما فى العقاب سواء..وتتذكر إهانة من مدرس فى المدرسة الإبتائية.. وظلم فى الإعدادية وخلاف مع أحد الأصدقاء فى الثانوية.. وإهدار لحقوقك فى الكلية... هل تسامح.. ؟؟
طبعا أسامح.. أسامح وأدعو ربى أن يسامحنى كما سامحت أنا غيرى.. وهو سبحانه أجدر منى بالعفو والمغفرة.. ولكن هل تنسى... أبدا.. تظل الذكرى كالجمر المشتعل .. يبقى ملتهبا وشديد الإحمرار ولكنه راقد تحت الرماد بانتظار نسمة هواء تمرق بجواره تزيل عنه لون الرماد الكئيب ليتوهج من خلاله إحمرار الجمر.. واحذر أن تترك النسمات تزداد حول الجمر.. إياك أن تترك الريح تبعثر الرماد كله.. وتلهب الجمر ويزداد توقده.. إياك أن تسمح للنار بأن تندلع من الجمر فتحرق ما حولها.. لأنك ستكون أول المحترقين.. حياتك كلها تتوقف على مهارتك فى التعامل مع ذكرياتك.. أن تطلقها من أسرها الأبى لتتجول فى عقلك .. تجرحك قليلا وتمنعك النوم أحيانا لكنها تحافظ على قواك العقلية والنفسية سليمة .. فأنت تعلم أن الكبت يولد الانفجار.. ولكن لا تترد لذكرياتك حبلها على غاربها.. لأنك ستكون أول من تدوسه بأقدامها.. ثم لاتنسى أنك قد سامحتهم مرارا واشهدت الله على ذلك وطلبت الثمن منه بأن يعفو عنك بالمقابل..وأنت ناضج بما يكفى لتعلم أنها فترة سخط مؤقتة وستزول.. ستعود مرة أخرى مع أقرب جرح جديد.. أو حتى جملة تنكأ أحد جراحاتك القديمة.. ولكن ليس هذا مبررا لتطلق العنان لشهوة الانتقام بداخلك وتتركها تجرح كل من أحببتهم يوما.. لأنك إن فعلت واسترحت من آثار السنوات الماضية فسابتدأ جراحهم هم الآن... وما يدريك أنّ لديهم قدرتك على الإحتمال.. ما يدريك أنك لن تخسرهم لسنوات قادمة.. وربما للأبد..
حسنا.. ربما كانت ذاكرتك لعنة عليك.. ولكن قلبك نعمة.. ذاكرة سوداء وقلب أبيض.. عليك أن توائم بينهما حتى تعيش.. ستكون المحصلة دائما أحد درجات اللون الرمادى .. أكثر ما أمقت من الألوان.. ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه.. عليك أن تتعود على الحياة فى ظل هذا اللون.. وتحاول أن تجد ألوانا جديدة تملأ بها المساحات الفارغة فى حياتك... أخشى فقط أن يكون اللون الوحيد المتاح حاليا هو اللون الأحمر.. لون دمى المسفوح قربانا على مذابح من لا يستحق

ليست هناك تعليقات: