السبت، ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٧

أنـــــــــا والمســــــــــرح

أتحدث عن تجربتى مع المسرح وانطباعاتى عنه .. وان كانت تجاربى معه حتى الآن لاتتعدى حضورى لمسرحيتين هما " كاليجولا" و " كان جدع " ويعود ندرة حضورة للمسرحيات إلى أنى أولا لست من أبناء القاهرة أو الاسكندرية .. لذا فلا يوجد فرصة لأنتهز عدة ساعات فارغة من يومى لاحضر عرضا لاحدى المسرحيات. وثانى الأسباب أنى من مدينة عاشت مجففة المنابع الثقافية فقصر الثقافة ظل بلا فاعلية ما يتجاوز العشرين عاما حتى تم بناء قصر ثقافة جديد ودور السينما الثلاثة التى زرتها صغيرا توقف عن العمل ما يقرب من خمسة عشر عاما حتى تم افتتاح دار سينما تابعة للقوات المسلحة منذ سنوات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ثم افتتاح صالة عرض اخرى أظنها أقرب لمقهى مزود بشاشة عرض كبيرة. وبالطبع لا يوجد فى بلدتى أى مسرح إلا واحدا فى الجامعة للعروض المسرحية الجامعية طبعا ذات الموارد المحدودة والحضور الضئيل وطبعا النصوص المحكومة أمنيا بشدة.
أنا بحكم قرءاتى كنت أعلم مسبقا أن الحضور فى المسرح قليل ولكنى لم أتوضع أبدا أن يبلغ هذا التدنى.. فعدد الكراسى التى أسعدها الحظ احتواء جسد متفرج فى قاعات المسرح يماثل عدد الأعضاء مجلس الشعب الحاضرين فى الجلسات العادية لمجلس الشعب .. تلك الجلسات التى تعنى بالمواطن العادى لا بالقوانين السياسية والبريق الاعلامى وأوامر الحزب بالإلتزام بالحضور حتى يقطعوا الطريق على المعارضة.
أعتقد أنه من باب الضلال الثقافى أن نجد المقاعد محجوزة فى مسرحيات القطاع الخاص التى تقوم أحيانا على مجموعة من النكات وأحيانا على اسم راقصة أو بالأحرى جسدها بينما المسرحيات التى تقوم على أساس فكرى ومخاطبة العقل لا تحظى بالمشاهدين، مع الوضع فى الاعتبار الفارق الرهيب بين سعر تذكرة مسارح الدولة التى تتراوح بين عشرة جنيهات و خمسون جنيها وبين سعر تذكرة المسرح الخاص الذى يتراوح بين مائة وخمسمائة جنيه.
مقارنة أخرى أراها تبتعد عت الضلال الثقافى لتدخل فى إطار التخلف الثقافى ألا وهى المقارنة بين الطوابير الممتدة أما دور السينما طوا ل اليوم بل وحتى فى حفلات منصف الليل، والملايين التى تحصدها أفلام تتشابه مع مسرحيات القطاع الخاص فى افتقارها للنص واعتمادها فى النكات الفجة أحيانا كثيرة .
أعتقد أننا نخسر كثيرا بميل الكفة بهذه الدرجة ناحية الاسفاف.. نخسر ديننا ووقتنا ومالنا ونخسر ذاتنا ومشاعرنا وعقلنا .. ونحسر مبدعين وفنانين يصابون بالاحباط فيتجهون للاسفاف بدورهم.
شئ آخر يخسره من لا يذهب إلى المسرح .. وهو تلك التجربة الشعورية الوجدانية شديدة الخصوصية التى تتجاوز المشاهدة إلى التواصل المباشر مع العمل.. وهو ما يصل فى حالتى إلى ما أسميه " الإندماج المسرحى" فأحس أننى أحد أفراد العمل وأنى لو كنت حاضرا لبروفاته لقلت نعم لهذا ولا لذاك وأشعر أننى حتى كمتفرج على عبئ.. فحتى تصفيقى على بعض المقاطع فى المسرحية يجب أن يكون بحساب.. فلا أصفق مجاراة للجمهور أو حتى لطلب الفنان وإنما أصفق لأحيى العاملين على موقف معين..لأوصل إليهم رسالة أن هذا الجز أعجبنى .. أنا أقدر جهدكم واختياراتكم. أما أن أصفق حيث لا ينبغى التصفيق فأنا أرى هذا نفاقا وأراه يوصل رسالة خاطئة للفنان تجعله يستمر فى شئ عادى أو سيئ ولكنه أعجب الجمهور أو نافقه بسببه هذا الشئ فيستمر فيه عملا بمقولة " الجمهور عايز كدة".
أنا لم أفهم كلمات العديد من الفنانين التى تدور حول أن المسرح يشحن طاقاتهم ويسمح لهم بالتواصل المباشر مع الجمهور إلا بعد أن حضرت المسرحيات وأحسست بهذا التواصل فعلا. لأحس فى كل مرة بتجربة فريدة من نوعها ولأشحن فعلا طاقاتى العاطفية وأحاسيسى وأجلو من عليها صدأ الحياة الرتيبة وملل الحسابات المغرقة فى المادية. ولأسمو قليلا بذاتى فوق تفاهات الحياة الشخصية وأشعر بآلام غيرى وأفراحهم .. وحبذا لو كانت السرحية من عينة " كان جدع " أو " الشبكة" أو " الملك لير" لأخرج من نطاق الحياة الفردية إلى هموم أمة وشعب.
دعوة لقاطنى ااقاهرة العائمة على كنز من الثقافة لا يحس بها أهلها والاسكندرية العروس الجميل .. أن يذهبوا إلى المسرح ليزيلوا عن مشاعرهم تراب الحياة اليومية وهمومها المغرقة فى الحسابات المادية.
دعوة أخرى للحكومة التى ترانا مواطنين أو محافظات من الطبقة الدنيا.. إن همومنا كثيرة .. اجتماعية واقتصادية ..ونعلم أن حلها ليس سهلا وليس قريب المنال .. هذا إن كنتم تفكرون فى حل لها أصلا .أو إن كنتم تذكرون أن هناك مواطنين خارج حدود القاهرة والإسكندرية شرم الشيخ والساحل الشمالى. ولكن حتى يتنفرج هذه الأزمات أما من أمل فى الفتات؟ متنفس ثقافىّ بدلا من المقاهى العادية ومقاهى الانترنت التى تأكل وقت شبابنا بلا فائدة تذكر أو لا تذكر؟؟ وبديلا عن دور سينما لا تعرض إلا " ما يطلبه المراهقون " فتختفى الأفلام الجيدة بعد أسبوع واحد إن تم عرضها أصلا فى مدينتنا ذات السينما الواحدة؟ِ

ليست هناك تعليقات: