الاثنين، ١٨ فبراير ٢٠٠٨

بداية أعتذر عن غيبتى الطويلة نسبياً عن كثير من الأصدقاء الذين إعتدنا تبادل الزيارات وتأخرى فى الرد على بعض الردود والرسائل ولكنها ظروف الحياة والعمل الطاحنة.
وقعت أحداث كثيرة خلال الفترة السابقة سواء على المستوى الشخصى أو المحلى أو الدولى.. وبداخلى الكثير مما أريد البوح به أو التعليق به على الأحداث ولكن الأهم أولا.. والأهم هو العزاء الواجب فى رمزي من رموز الحياة الثقافية فى مصر وقد رحلا عن عالمنا فى يوم واحد ألا وهما الأستاذان مجدى مهنا و رجاء النقاش، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته
ورغم أهمية رجاء النقاش فى حياتنا الثقافية إلا إنى رأيت أن أغلب الحديث والعزاء والحوارات كانت تدور حول أ.مجدى مهنا... والواقع أن هذا شئ مبرر ويظهر الفارق بين الناقد والكاتب.. الكاتب دوما فى الواجهة أمام الجمهور.. والناقد أمام الصفوة فقط.
الشئ الثانى اللافت للنظر هو الإهتمام الكبير بالأستاذ مجدى مهنا - وهو إهتمام يستحقه بكل جدارة - ولكنى أتحدث عن دلالته .. ألا وهى صحة الفطرة بداخلنا كشعب ومثقفين وإعلاميين...
فجيعتنا فى مجدى مهنا تؤكد أنه برغم كل الفساد الذى نعايشه فمازالت روحنا متعلقة بالشرف... وبين كل دنس الرذيلة تنبت زهور الطهر ... ورغم الجو العام الملبد بالقذارة فلا زالت قلوب وأرواح وأياد نظيفة.. وأياد أخرى ربما تلوثت ولكنها لا زالت تعرف قدر الفضيلة وتحترمها
الألم الجارف الذى انتابنا عقب وفاة مجدى مهنا ربما مصدره حسرتنا على أحد الرموز القليلة فى عصرنا التى لازالت تتمسك بمبادئ الفرسان وتحيا بأخلاق النبلاء
الكل أجمع على طهارة يده.. لذا كان أول المشييعين له هم أعدائه.. لأنهم برغم فسادهم ظلت بداخلهم بقعة من الضوء تحن إلى زمن البراءة .. لذا فقد فقدوا جزءا كبيراً من ضميرهم بموت أ.مجدى مهنا
حزننا على أ. مجدى مهنا أكثر بكثير من حزننا على أ. رجاء النقاش يدل على حاجتنا لمحاربة الفساد أكثر من حاجتنا لرفع الثقافة.. وإن كان كلاهما مرتبط بالآخر بشدة ولكن المواطن البسيط قد لا يعى هذه الصلة.. بل وحتى غير البسيط.. فلكى أشترى كتابا واحدا كل شهر يجب على أن أقتطع ما يقرب من 5% من دخلى .. مع العلم بأنى مهندس ودخلى من المفترض أنه مرتفع نسبيا مقارنة بأغلب الفئات العاملة بمصر.. لقد تركت الكثير مما أرغب فى قراءته وكثير من النشاطات التى أريد ممارستها لا لشئ إلا ضيق ذات اليد.. فدخلى يسمح لى بالعيش عيشة كريمة كفرد عادى فقط.. كفرد أى أن الزواج والأسرة تبدو أحلاما بعيدة.. وعادى تعنى أن الثقافة أو الرفاهية أو المتعة ضرب من ضروب الخيال.
كثيرا من أذكر فلسفة أحد الحكام قديما حين قال : "أجع كلبك يتبعك" وأذكر رد أحد الحكماء عبدما رأى نفس الحاكم مشنوقا فى أحد الميادين : " ربما جاع الكلب فأكل صاحبه"
والشعوب ليست كلاباً.. ولكن أحيانا ماتكون الكلاب أكثر قيمة لدى البعض من شعوب بأكملها ولننظر على كيفية تعامل الغرب مع حقوق الحيوان فى الشرق الأوسط وانتقاداتهم الدائمة لأساليب قتل الكلاب أو ذبح الخراف فى الوقت الذى يذبحون فيه شعوباً بأكملها فى دول العالم الثالث دون أن يرمش لهم جفن!!
أردت رثاء أ. مجدى مهنا فكتبت منتقدا كثيرا من الأوضاع.. ولكن ذلك ليس بغريب فقد ارتبط اسمه حيا وميتا بالنزاهة ومحاربة الفساد وكان لابد أن يكون رثاؤه على شاكلة سيرته.
اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين

ليست هناك تعليقات: